سورة الأعراف - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى لما بين الحلال والحرام وأحوال التكليف، بين أن لكل أحد أجلاً معيناً لا يتقدم ولا يتأخر، وإذا جاء ذلك الأجل مات لا محالة، والغرض منه التخويف ليتشدد المرء في القيام بالتكاليف كما ينبغي.
المسألة الثانية: اعلم أن الأجل، هو الوقت الموقت المضروب لانقضاء المُهْلَة، وفي هذه الآية قولان:
القول الأول: وهو قول ابن عباس، والحسن ومقاتل أن المعنى أن الله تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين، وهو تعالى لا يعذبهم إلى أن ينظروا ذلك الوقت الذي يصيرون فيه مستحقين لعذاب الاستئصال، فإذا جاء ذلك الوقت نزل ذلك العذاب لا محالة.
والقول الثاني: أن المراد بهذا الأجل العمر، فإذا انقطع ذلك الأجل وكمل امتنع وقوع التقديم والتأخير فيه، والقول الأول: أولى، لأنه تعالى قال: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ} ولم يقل ولكل أحد أجل وعلى القول الثاني: إنما قال: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ} ولم يقل لكل أحد لأن الأمة هي الجماعة في كل زمان، ومعلوم من حالها التقارب في الأجل، لأن ذكر الأمة فيما يجري مجرى الوعيد أفحم، وأيضاً فالقول الأول: يقتضي أن يكون لكل أمة من الأمم وقت معين في نزول عذاب الاستئصال عليهم وليس الأمر كذلك لأن أمتنا ليست كذلك.
المسألة الثالثة: إذا حملنا الآية على القول الثاني: لزم أن يكون لكل أحد أجل، لا يقع فيه التقديم والتأخير فيكون المقتول ميتاً بأجله، وليس المراد منه أنه تعالى لا يقدر على تبقيته أزيد من ذلك، ولا أنقص، ولا يقدر على أن يميته في ذلك الوقت لأن هذا يقتضي خروجه تعالى عن كونه قادراً مختاراً، وصيرورته كالموجب لذاته، وذلك في حق الله تعالى ممتنع بل المراد أنه تعالى أخبر أن الأمر يقع على هذا الوجه.
المسألة الرابعة: قوله تعالى: {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} المراد أنه لا يتأخر عن ذلك الأجل المعين لا بساعة ولا بما هو أقل من ساعة إلا أنه تعالى ذكر الساعة لأن هذا اللفظ أقل أسماء الأوقات.
فإن قيل: ما معنى قوله: {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} فإن عند حضور الأجل امتنع عقلاً وقوع ذلك الأجل في الوقت المتقدم عليه.
قلنا: يحمل قوله: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} على قرب حضور الأجل. تقول العرب: جاء الشتاء، إذا قارب وقته، ومع مقاربة الأجل يصح التقدم على ذلك تارة، والتأخر عنه أخرى.


{يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}
اعلم أنه تعالى لما بين أحوال التكليف وبين أن لكل أحد أجلاً معيناً لا يتقدم ولا يتأخر بين أنهم بعد الموت كانوا مطيعين فلا خوف عليهم ولا حزن وإن كانوا متمردين وقعوا في أشد العذاب وقوله: {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط ولذلك لزمت فعلها النون الثقيلة وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط والجزاء، وهو قوله: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} وإنما قال رسل وإن كان خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام لأنه تعالى أجرى الكلام على ما يقتضيه سنته في الأمم وإنما قال: {مّنكُمْ} لأن كون الرسول منهم أقطع لعذرهم وأبين للحجة عليهم من جهات: أحدها: أن معرفتهم بأحواله وبطهارته تكون متقدمة.
وثانيها: أن معرفتهم بما يليق بقدرته تكون متقدمة فلا جرم لا يقع في المعجزات التي تظهر عليه شك وشبهة في أنها حصلت بقدرة الله تعالى لا بقدرته فلهذا السبب قال تعالى: {وَلَوْ جعلناه مَلَكاً لجعلناه رَجُلاً} [الأنعام: 9].
وثالثها: ما يحصل من الألفة وسكون القلب إلى أبناء الجنس، بخلاف ما لا يكون من الجنس، فإنه لا يحصل معه الألفة.
وأما قوله: {يَقُصُّونَ عَلِيمٌ ءاياتي} فقيل تلك الآيات هي القرآن وقيل الدلائل، وقيل الأحكام والشرائع والأولى دخول الكل فيه، لأن جميع هذه الاْشياء آيات الله تعالى لأن الرسل إذا جاؤا فلابد وأن يذكروا جميع هذه الأقسام، ثم قسم تعالى حال الأمة فقال: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} وجمع هاتين الحالتين مما يوجب الثواب لأن الملتقي هو الذي يتقي كل ما نهى الله تعالى عنه، ودخل في قوله: {وَأَصْلَحَ} أنه أتى بكل ما أمر به.
ثم قال تعالى في صفته: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أي بسبب الأحوال المستقبلة {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} أي بسبب الأحوال الماضية لأن الإنسان إذا جوز وصول المضرة إليه في الزمان المستقبل خاف وإذا تفكر فعلم أنه وصل إليه بعض ما لا ينبغي في الزمان الماضي، حصل الحزن في قلبه، لهذا السبب والأولى في نفي الحزن أن يكون المراد أن لا يحزن على ما فاته في الدنيا، لأن حزنه على عقاب الآخرة يجب أن يرتفع بما حصل له من زوال الخوف، فيكون كالمعاد وحمله على الفائدة الزائدة أولى فبين تعالى أن حاله في الآخرة تفارق حاله في الدنيا، فإنه في الآخرة لا يحصل في قلبه خوف ولا حزن ألبتة، واختلف العلماء في أن المؤمنين من أهل الطاعات هل يلحقهم خوف، وحزن عند أهوال يوم القيامة فذهب بعضهم إلا أنه لا يلحقهم ذلك، والدليل عليه هذه الآية، وأيضاً قوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] وذهب بعضهم إلى أن يلحقهم ذلك الفزع لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى} [الحج: 2] أي من شدة الخوف.
وأجاب هؤلاء عن هذه الآية: بأن معناه أن أمرهم يؤل إلى الأمن والسرور، كقول الطبيب للمريض: لا بأس عليك، أي أمرك يؤل إلى العافية والسلامة، وإن كان في الوقت في بأس من علته، ثم بين تعالى أن الذين كذبوا بهذه الآيات التي يجيء بها الرسل {واستكبروا} أن أنفوا من قبولها وتمردوا عن التزامها {فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} وقد تمسك أصحابنا بهذه الآية على أن الفاسق من أهل الصلاة، لا يبقى مخلداً في النار، لأنه تعالى بين أن المكذبين بآيات الله والمستكبرين عن قبولها، هم الذين يبقون مخلدين في النار، وكلمة {هُمْ} تفيد الحصر، فذلك يقتضي أن من لا يكون موصوفاً بذلك التكذيب والاستكبار، لا يبقى مخلداً في النار، والله أعلم.


{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}
اعلم أن قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بئاياته} يرجع إلى قوله: {والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها} [الأعراف: 36] وقوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ} أي فمن أعظم ظلماً ممن يقول على الله مالم يقله أو كذب ما قاله. والأول: هو الحكم بوجود ما لم يوجد.
والثاني: هو الحكم بإنكار ما وجد والأول دخل فيه قول من أثبت الشريك لله سواء كان ذلك الشريك عبارة عن الأصنام أو عن الكواكب أو عن مذهب القائلين بيزدان وأهرمن. ويدخل فيه قول من أثبت البنات والبنين لله تعالى، ويدخل فيه قول من أضاف الأحكام الباطلة إلى الله تعالى.
والثاني: يدخل فيه قول من أنكر كون القرآن كتاباً نازلاً من عند الله تعالى وقول من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال تعالى: {أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} واختلفوا في المراد بذلك النصيب على قولين: أحدهما: أن المراد منه العذاب، والمعنى ينالهم ذلك العذاب المعين الذي جعله نصيباً لهم في الكتاب، ثم اختلفوا في ذلك العذاب المعين. فقال بعضهم هو سواد الوجه وزرقة العين، والدليل عليه قوله تعالى: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60] وقال الزجاج: هو المذكور في قوله تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى} [الليل: 14] وفي قوله: {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} [الجن: 17] وفي قوله: {إِذِ الأغلال فِي أعناقهم والسلاسل} [غافر: 71] فهذه الأشياء هي نصيبهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم.
والقول الثاني: أن المراد من هذا النصيب شيء سوى العذاب، واختلفوا فيه فقيل: هم اليهود والنصارى يجب لهم علينا إذا كانوا أهل ذمة لنا أن لا تتعدى عليهم وأن ننصفهم وأن نذب عنهم فذلك هو معنى النصيب من الكتاب وقال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب أي ما سبق لهم في حكم الله وفي مشيئته من الشقاوة والسعادة، فإن قضى الله لهم بالختم على الشقاوة، أبقاهم على كفرهم، وإن قضى لهم بالختم على السعادة نقلهم إلى الإيمان والتوحيد، وقال الربيع وابن زيد يعني: ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار، فإذا فنيت وانقرضت وفرغوا منها {جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} واعلم أن هذا الاختلاف إنما حصل، لأنه تعالى قال: {أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} ولفظ النصيب مجمل محتمل لكل الوجوه المذكورة وقال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى، لأنه تعالى بين أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم، إلا أن ذلك ليس بمانع من أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفضلاً من الله تعالى، لكي يصلحوا ويتوبوا، وأيضاً فقوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يدل على أن مجيء الرسل للتوفي، كالغاية لحصول ذلك النصيب، فوجب أن يكون حصول ذلك النصيب متقدماً على حصول الوفاة، والمتقدم على حصول الوفاة، ليس إلا العمر والرزق.
أما قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَمَا كُنتُمْ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الخليل وسيبويه: لا يجوز إمالة حتى وألا وأما وهذه ألفات ألزمت الفتح، لأنها أواخر حروف جاءت لمعان يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف، نحو: حبلى وهدى إلا أن {حتى} كتبت بالياء لأنها على أربعة أحرف فأشبهت سكرى.
وقال بعض النحويين: لا يجوز إمالة {حتى} لأنها حرف لا يتصرف، والإمالة ضرب من التصرف.
المسألة الثانية: قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} فيه قولان:
القول الأول: المراد هو قبض الأرواح، لأن لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى.
قال ابن عباس الموت قيامة الكافر، فالملائكة يطالبونهم بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزجر والتوبيخ والتهديد، وهؤلاء الرسل هم ملك الموت وأعوانه.
والقول الثاني: وهو قول الحسن، وأحد قولي الزجاج أن هذا لا يكون في الآخرة ومعنى قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا} أي: ملائكة العذاب {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار على معنى أنهم يستكملون عدتهم، حتى لا ينفلت منهم أحد.
المسألة الثالثة: قوله: {أَيْنَمَا كُنتُمْ} معناه أين الشركاء الذين كنتم تدعونهم وتعبدونهم من دون الله. ولفظة ما وقعت موصولة بأين في خط المصحف.
قال صاحب الكشاف: وكان حقها أن تفصل، لأنها موصولة بمعنى: أين الآلهة الذين تدعون.
ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: {ضَلُّواْ عَنَّا} أي: بطلوا وذهبوا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين عند معاينة الموت.
واعلم أن على جميع الوجوه، فالمقصود من الآية زجر الكفار عن الكفر، لأن التهويل يذكر هذه الأحوال مما يحمل العاقل على المبالغة في النظر والاستدلال والتسدد في الاحتراز عن التقليد.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11